31 - 05 - 2025

عاصفة بوح | الثورة لا تستأذن أحدا

عاصفة بوح | الثورة لا تستأذن أحدا

الثورة لا تنتظر أحدا ولا تستأذن ، إنما تأتى بغتة كالطوفان عندما تتوافر أسبابها وظروفها والمناخ التى تولد فيه، عندما لا يتعلم الحكام من أخطاء سابقيهم، ولا يدرسون أسباب سقوطهم ولا يستمعون إلى مقدمات الغضب ولا همهمة أنين الظلم ولا غياب العدالة ولا تجاوزات السلطة ولا غياب الضمير السياسى والعصف بالدستور وإعطاء القانون إجازة إلزامية!

الثورات لا تستأذن ولا تأخذ أوامرها من أحد مهما ألبست ثوب الباطل من أصحاب المصالح، ومن المتمسكين بكراسى السلطة رغم رفضهم.

الشعوب الحرة هى من تختار توقيت الثورات من داخلها، من رحم المعاناة والظلم الاجتماعي، من الخوف من الغد والرعب على مستقبل الأولاد والوطن ذاته، من الصدمة ان من يحكمونها لا يدركون قدرها ويفتقدون القدرة على إدارة أمورها وعدم تفريقهم بين ما يصلح فى تسيير أمورها ومن تحتاجه الأمم فى لحظات الخطر والمصير، من يضعون أهل الثقة فوق رؤوس أهل الكفاءة فى الأوقات الصعبة التى يتحدد فيه مصير الأمة من بقاء وتطور وانطلاق إلى مستقبل آمن يضعها فى مكانها المستحق بين الأمم أو الانزلاق إلى مستنقع التاريخ ووصمها بما لا يليق بها نتيجة للاستهتار بأقدارها وحقوق مواطنيها والاستعلاء والاستخفاف بهم ونعتهم بالجهل والضعف وعدم استحقاقهم للحرية والديموقراطية وأن حكامهم أدرى بمصلحتهم كأنهم اطفال لم يدركوا الحلم بعد!

الثورات لحظات استثنائية فى حياة الشعوب ، إعلان عن غضب طال كتمانه، وحرمان لم يلتفت إليه أحد ومظالم ومناطق جرى تهميشها عن عمد وسياسة عصفت بها وقوة غاشمة أخذت مكانها وسلاح استخدم للتمكين بدلا من الحماية وفتنة تم تأجيجها عن عمد ودين وظف فى غير مقاصده وتزمت دينى وغلو فكرى تم تسييسه وتوظيفه لتخويف من بقى له بعض من عقل وخوف على مستقبل وطن تم إهدار ثرواته من بشر وموارد، وتقدير أولوياته واحتياجاته واستغلال قدراته وقواه الناعمة وفنونه وريادته وتاريخه لدفعه إلى الأمام وتوفير الحد الأدنى لاحتياجاته من تعليم هو مخرجه الأساسى من سوء المصير والمستقبل، وتوفير رعاية صحية كحق إنساني أساسى وحفاظ على مستقبل أمة لاتستقيم بشباب معلول الصحة، يصير عبئا بدلا من كونه دعامة ومحفزا لحمل وطن على كتفيه ودفعه لمستقبل آمن يستحقه شعب طيب الأعراق، لم ينل على مر تاريخه المعلوم ما يستحقه من حكام يعرفون قدره وقادرين على حمايته من مستعمر وغازي أيا كانت نوعيته من استعمار مباشر أو فى صوره الخفية الأكثر خطورة من استغلال وإهانة!

الثورة لحظة تمرد بعد غلق المجال السياسى والسلمى والعصف بمنظمات المجتمع المدني والتحرش بالأحزاب وتحجيمها ومحاصرة أعضائها وإرهابهم ومطاردتهم حتى يتم تهجينهم وتأميمهم فلا تظهر قيادات قادرة على المنافسة حينما تأتى اللحظة المناسبة للحكم! الأمر نفسه يطبق على الإعلام بأفرعه المختلفة وحريته وقدرته على أدائه الوظيفى التثقيفى والتنويرى وتوصيل المعلومة الصحيحة من الحاكم للمحكومين وتوصيل رسائل الشعب للسلطة الحاكمة ومراقبة أدائها ومحاسبتها وفى نفس الوقت القيام بدورها كمتنفس آمن لبخار الغضب والتمرد وتأمين لحرية تعبير لا تستغنى عنها أي سلطة رشيدة إذا كانت لا تريد أن تقع أسيرة لثورة مباغتة!

أما حقوق المواطنة فهى درة عرش الاستقرار، وتأمين مستقبل آمن للجميع دون مفاجآت الغضب من إهانة تطول الضعيف والمسكين المحروم من ظهر يسنده ويحميه فى الحق أو فى مواجهة ظلم يساند الشر، محمي من فساد استقر واطمأن بقوانين تؤمن له مستقبلا آمنا إذا فاجأته ثورة غير متوقعة!

لا شىء يحمى المجتمعات من ثورات الغضب إلا إحساس الجميع أنهم سواسية أمام قانون لا يفرق ولا ينحاز، بل يظل مغلق العينين ليطبق عدالة ناجزة تطمئن ولا تدفع يائسا الى طريق العنف مادام القانون يعرف زينب وباتعة وخديجة!

أما تفصيل القوانين لحماية الفاسدين او العصف بالمعارضين أو لتمرير ما لا يجب تمريره فى الدول الحرة والمستقلة فأتصور أنه من أسباب انطلاق ثورات الغضب واليأس من الإصلاح سلميا وقانونيا فلا يجد المطحونون طريقا آخر إلا الغضب المجنون ليعلنوا تمردهم على ظلم يقنن أمام أعينهم ومستقبل أسود يؤصل لمزيد من الخراب الاجتماعى والاقتصادى !!

أما الظلم الاقتصادى فى العصر الحديث فهو المحفز الرئيسى لثورات الغضب، فإذا كانت السياسة أو الاهتمام بالشأن العام تخص خاصة الخاصة .. فأكل العيش يخص الجميع، فغيابه ونقصه وتدهوره يؤذى ويذل ويجرح فلا يجد أمامه إلا الثورة، فبعد الجوع والحاجة لا يجد للخوف مكان مهما اشتد الترويع والتنكيل، فعلى رأى المثل "يا واخد قوتى يا ناوى على موتى" . فما بعد الموت شىء يردع و يخيف !!

الثورة فعلا لا تستأذن أحدا ، ولا أحد يتمناها، فاحموا بالعدل أوطانكم منها.

اللهم هل بلغت اللهم فاشهد!

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة